حدثني والدي قديماً
عن النسر الذي تربى بين الدجاج فأقنع نفسه بأنه ديك ففقد القدرة على الطيران ، كما
سمعت أيضاً قصة مشابهةً عن الفهد الذي أرضعته الضباع فصار واحداً من الضباع ، مثل
هذه القصص وإن كانت خيالية فإنها أمثلة تضرب لمن لم يعرف حقيقة قدره .
إن حقيقة الوضع
المصري شبيه بمثل هذه القصص الخيالية لأن حجمها الحقيقي بتاريخها العريق ، وشعبها
الذي يتجاوز الثمانين مليوناً ، ومواردها الضخمة ، وموقعها الإستراتيجي ، كل ذلك يؤهلها
بامتياز لتكون بلداً عظيماً ، لا دولة من دول العالم النامي كما يقال .
إن مصر هو قلب الأمة
النابض فبنهضتها تنهض كل الدول العربية من موريتانيا غرباً إلى البحرين وعمان
شرقاً إلى الصومال وجزر القمر جنوباً ، كل هذه الدول تحتاج إلى نهضة شقيقتها الكبرى
مصر ، لتنهض هي أيضاً بدورها .
لقد كان نظام مبارك متهماً بتجويع شعبه على حساب
شلة من معاونيه جعلوا من البلد البقرة الحلوب التي يضخمون منها ثرواتهم الشخصية
ويتعاونون مع أعداء الأمة في قمع إخوانهم العرب في منطقة الشرق الأوسط ، لذلك فقد
استبشرت الأمة خيراً بالربيع العربي ، والثورة الشعبية العارمة في مصر ، لقد تابعت
الشعوب العربية في كل مكان مسيرة تلك الثورات بقلوب يملؤها الأمل بغد يرفع فيه
العربي رأسه مفتخراً بعروبته وبإسلامه ، وإنني لأتذكر ليلة إعلان تنحي حسني مبارك
وحين ضجت ساحة التحرير في القاهرة بالإحتفالات حينها نقلت الفضائيات تلك الملايين
وهي تنشد النشيد الوطني المصري بصوت واحد ( بلادي بلادي بلادي ... لك حبي وفؤادي )
وجدت بجانبي وقتها فتاة جيبوتية تغني معهم النشيد نظرت إليها فإذا بالدموع تسيل
جارية على خدها من الفرحة !! إنها فتاة جيبوتية وليست مصرية ، حتى إنها لم تزر قط
مصر في حياتها ، ولكنه الإحساس الصادق والأمل الواعد والحلم بغد أفضل لكل العالم
العربي .
ولكن وبعد مرور سنتين
على الثورة نجد عبرات اليأس تخنق الجميع ، فلقد أخذ بعض المصريين معاول الهدم
ليمنعوا العملاق من النهوض فقط لأن الحكم بيد الإسلاميين !
أولم يصل الإسلاميون
إلا الحكم عن طريق الإنتخابات ؟؟
إنه تخلف المعارضة
العلمانية ، لقد كان أملنا كبيراً أن يؤمن هؤلاء العلمانيون كغيرهم من علمانيي
العالم بمبدأ الديمقراطية واحترام إرادة الشعب ولكن الذي نراه هو كفر بالديمقراطية
واستخدام للعنف والبلطجية للإطاحة برئيس شرعي منتخب ، إنه التخلف بعينه ، إن مما
تعلمناه من هذه الأحداث هو أن البدلة الأنيقة والتسريحة الجميلة ليست ما يصنع
التحضر وحب الوطن ، فليس أكثر أناقةً من أولئك السياسيين والإعلاميين العلمانيين
في القنوات المصرية الذين جعلوا الكذب مذهبهم ، والشتائم طريقتهم ، والتحريض على
الفتنة سبيلهم في هدم الوطن !! لقد قلبوا الحقائق ليجعلوا من البلطجية أبطال ثورة
، ويصوروا أولئك الذين يبنون وطنهم بإخلاص على أنهم مجرمون وخونة ، قبحهم الله من
إعلام وإعلاميين .
لؤلئك اللذين يدَّعون
الليبرالية في مصر إقول ، إن ليبرالييو العالم ينتظرون منكم أن تحترموا
الديمقراطية وتسلكوا السلمية وتساعدوا في نهوض مصر أياً كان الرئيس ، حينها سيحبكم
الشعب وسيختاركم حكاماً في يوم من الأيام .
لست مصرياً .. ولكنني
أحب مصر وأعشقها ، ومستعد لأضحي بالغالي من أجلها ، لأنني أؤمن أن نهضتها نهضة
للعالم الذي أنتسب إليه ، وتقدمها تقدم للأمة التي أعتز بالإنتماء إليها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق